لايخفى أن علم قراءات القرآن الكريم ، أقدم العلوم في الإسلام نشأةً وعهداً ، وأشرفها منزلةً ، حيث إن ما تعلمه الصحابة من علوم الدين ، كان حفظ القران الكريم وقراءته ، ثم لما اختلف الناس في قراءة القرآن وضبط ألفاظه ، مَسّت الحاجة إلى علم يميز به بين الصحيح المتواتر ، والشاذ النادر ، ويتقرر به ما يسوغ القراءة به ، وما لايسوغ ، ووقاية الكلمات القرآنية من التحريف ، ودفعاً للخلاف بين أهل القرآن ، فكان ذلك العلم ، علم القراءة ، الذي تصدر لتدوينه الأئمة الأعلام من المتقدمين ، والحق أن تدوين علم القراءات أفاد المسلمين فائدة لم تحظ بها أمةٌ سواهم ، فكل العلوم اللسانية ما وجدت إلا على أساسه ، تنهل من نبعه وتستمد من صافي معينه ، وذلك أن البحث في مخارج الحروف ، والاهتمام بضبطها على وجوهها الصحيحة ، لتيسير تلاوة القرآن على أفصح وجه ، كان من أبلغ العوامل في عناية الأمة بدقائق اللغة العربية الفصحى وأسرارها ، وقواعد الأحكام الفقهية ودقائقها .
لذلك فإنه أول ما يجب على طالب هذا العلم أن يقصد به وجه الله تعالى ، وإخلاص العمل له ، والاهتمام بعلوم القرآن حتى يمن الله عليه ، فيكون سنداً في تواتر قراءة القرآن ونقله للأجيال القادمة ، وأن يتمسك بتعاليم دينه عقيدةً وشريعةًُ ، وأدباً وأخلاقاً ومعاملةً وسلوكاً ، كما يجب أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الشمائل ، وأن يرفع نفسه عن كل ما نهى القرآن عنه ، وبذلك يكون مصون الكرامة شريف النفس ، لأن التدين الصادق هو السلوك المدرك لمعاني الإسلام في واقع الحياة.