أولاً :اللغة التي نزل بها القرءان .
في أوائل القرن السابع الميلادي ، وفى إبان الدعوة الإسلامية ، وحين كان القرءان ينزل على الرسول عليه الصلاة والسلام ـ كانت القبائل العربية غير موحدة اللغة ، فقد كانت تتحدث بعدة لهجات ، بل كان لكل قبيلة ألفاظها وتعبيراتها ، لكن هذه الألفاظ والتعبيرات ، كانت ضمن الإطار العام للغة ألأم ، اللغة العربية التي كان يسجل بها اليوان العربى نثره ونظمه ، وحكمته ، ويشاء الله أن تكون لغة قريش وسطاً بين هذه اللغات ، واللهجات ، وأن تكون على مر الزمن ـ قبل الإسلام بحكم اشتمالها على دلالات اللهجات عند القبائل العربية ـ أقوم ألسنة العرب وأعذبها بياناً ، ومن هنا رأينا إرادة الله ، توجه نبيه أن تكون لغة قريش هي أغلى وأثمن ما كان يملكه الرسول من تعبير عربي وقدرة إبانة ، ومن هنا كانت لغة قريش موجهة لكل لغات العرب ولهجاتهم ، لذلك نزل القرءان ، أول ما نزل بلهجة قريش من لغة العرب ، كما صرح بذلك عثمان بن عفان حين قال للكتاب الذين كلفهم بنسخ نسخ من القرءان ،
( المصاحف العثمانية )
حيث قال لهم : ( إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شئ من القرءان فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ) رواه البخاري .
واستمر القرءان ينزل بلهجة قريش طيلة المرحلة المكية ، وكان الناس يقرؤونه بيسر من أهل مكة وممن حولها .
ثانياً: متى بدأ نزول القراءات ؟
بلا ريب نزل القرءان الكريم بحروفه المتعدة من عند الله ، وحروف القرءان المتنوعة سببها التيسير على الأمة ، التي تختلف لفات قبائلها ، فلما هاجر رسول الله إلى المدينة المنورة ، أستمر نزول القرءان بلهجة قريش ، وكان من السهل على أهل المدينة ومن حولها أن يقيموا ألسنتهم على لهجة قريش ، لأنهم من أهل الحاضرة أولاً ، ولما بين البلدين من الصلات والتمازج وألإختلاط ،
ولما فتح الله على المسلمين في العام الثامن من الهجرة ، انهال الناس من جميع أنحاء الجزيرة العربية ، يعلنون إسلامهم ، ويتعلمون القرءان يحفظونه ويعملون به ، وفيهم من طبع لسانه على لهجة قبيلته ، ولا يستطيع تقويمه على لغة قريش ، ولاتجدى معه الحيلة ، ولو أمر أن يزول عن لغته ، وما جرى عليه اعتياده ، طفلاً وناشئاً وكهلاً لاشتد ذلك عليه وعظمت المحنة وأدرك الرسول أبعاد المشكلة ، وهى تكمن في عدم قدرة الكثيرين ممن دخلوا الإسلام من القبائل الأخرى على قراءة القرءان كما أنزله الله على لهجة قريش ، فتوجه إلى الله طالباً التخفيف عن هؤلاء ، فاستجاب الله لنبيه وأنزل الرخصة بالتخفيف ، كما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال : ( أقرأني جبريل على حرف فراجعته ، ثم لم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ) .
إذن نشأت القراءات أو ظهرت القراءات بعد الهجرة وبعد أن أصبحت الحاجة إلى استخدامها ملحة .
فلما نزلت الرخصة من الله بقراءة القرءان على حروف متعددة ، كل على حسب لهجته ، بدأ رسول الله يقرأ الوافدين عليه من القبائل بلهجاتهم ، ورخص لغيرهم القراءة بهذه اللهجات ، طا لما أصبحت قراءة القرءان بها وحياً من عند الله ، ولم يعلم بعض القرشيين بهذه الرخصة أول ما نزلت ، فأنكر على بعض من سمعه يقرأ القرءان بغير لهجة قريش ، كما حدث بين هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب ، لما أنكر عمر قراءة هشام ، فسمع الرسول منهما وأقر القراءتين ثم قال : ( إن هذا القرءان أُنزل على سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه ). البخاري .
ثم شاع أمر الرخصة في قراءة القرءان على سبعة أحرف بين الصحابة رضوان الله عليهم .
والله أعلى وأعلم ،
مدرس القراءات / عمر سليم