إنَّ كتابة المصاحف فريدة في خطها ، وأنها كانت مجردة من النقط والشكل ومن الفواصل بين الآيات والسور ، فكانت السور لا تعرف أوائلها إلا بالبسملة فقط ، وأما هذه الفواصل المرسومة وكذلك النقط والتشكيل وعلامات الوقف وغيرها فقد استخدمت في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان في سنة خمس وستين هجرية. وكان الأوائل يقرؤون القرآن بالسليقة والطبيعة والسجية والفطرة ، ولكن لما اختلط اللسان العربي بغيره كثر اللحن وظهر الغلط فقام عبد الملك بن مروان بتجنيد العلماء لوضع هذه العلامات من أجل التيسير على الناس وصيانة من اللحن في آيات الله.
والصحيح كما نص جماعة من العلماء منهم الداني وأبو داود وأبو حاتم أنَّ أول مَنْ وضع نقط الإعراب هو أبو الأسود الدؤلي بأمر زياد ابن أبي زياد والي البصرة في خلافة معاوية بن أبي سفيان ، وقد بعث إليه زياد وقال له يا أبا الأسود إنَّ الأعاجم قد أفسدوا لغة العرب فلو وضعت شيئاً يصلح الناس به كلامهم ويعربون به كلام الله ، فامتنع أبو الأسود ، فأجلس زياد رجلاً في طريق أبي الأسود وقال له إذا مرَّ بك أبو الأسود فاقرأ شيئاً من كتاب الله وتعمد اللحن فيه .
فلما مرَّ أبو الأسود قرأ الرجل : [أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ] {التوبة:3}
بجر لام [وَرَسُولُهُ] فقال أبو الأسود : معاذ الله أن يتبرأ الله من رسوله . ثم رجع إلى زياد وقال له أجبتك إلى ما طلبت. فاختار أبو الأسود رجلاً من قبيلة عبد قيس وقال له خذ المصحف ومداداً يخالف لونه لون المصحف فإذا فتحت شفتي فانقط فوق الحرف نقطة ، وإذا ضممتهما فانقط أمامه نقطة ، وإذا كسرتهما فانقط تحته نقطة ، وإذا أتبعته غنة ـ أي تنويناً ـ فانقط نقطتين حتى أتى على أخر المصحف.